لعنة لا تُغتفر !
(1)
هذه الليلة غريبة ، كل شيء جميل خلاف الواقع ، فلا صداع موجودٌ ولا حزن ولا ذكرى ، ثمة عدة نوتات موسيقية تتجول برأسي الهادئ ، سيجارتان وعود ثقاب بجيبي ، الغرفة نظيفة ، لدي ما يكفي من المال لأقيم حفلة شواء مع الأصدقاء ، حتى فقراء الحي يبدون سعداء الليلة .. معلم الرياضيات القابع بآخر الحي يمنح كل تلميذ درجتين بالإختبار الأخير ، الخباز والجزار في إجازة .. هذه الليلة جنّة ، ولا بد أن أرتكب إحدى الحماقات التي لا تغتفر !
(2)
إنتحال شخصية المدير والقفز من الطابق الخامس ، تبادل الشتائم مع الإسكافي ، ملاحقة القطط ، وممازحة كاهل مل من الحياة ، العبث بحقيبة ساعي البريد ، أمور تراودني هذه الليلة ، أقسم برب موسى وهارون أن هذه الليلة لن تمر دون عراك !
(3)
الأروقة والجدران وحبيبة صديقي والكلب البوليسي والعم سرحان ، يبدون منفعلين الليلة كحبة خردل صنع منها سلاحٌ كيماويٌ خطير أيام حكم صدام ، هذا لا يهم المهم أن لدى الرصيف مشكلة كبيرة ، الرصيف أخبرني بأن الحكومة اللعينة تنوي إستبداله برصيفٍ أخر !
يقول هذا الرصيف ؛ خدمتُ هذه الدولة إثنين وثلاثين سنة وشهرين ، تحملت أرجل البؤساء وشتائمهم وبصاق عمال النظافة ، والآن يجازنونني بالإستبدال ، بكيت قليلاً أو لم أبكي ، لا أذكر ، المهم في الموضوع أن الرصيف يريد أن يصل صوته لداود الشريان !
(4)
أجريت عدة حوارات صحفية غير مباشرة ولذيذة هذه الليلة مع النافذة ، والدراجة ، وميكرفون المسجد ، ومع عود الكبريت ، كانوا سلسين للغاية سوى أن الميكرفون كان منافقاً طبالاً وقال لي بالحرف الواحد "الله يعز حكومة أبو متعب" ، لم يكن يعلم أنني بروليتاري أرعن ، شتمتُ الميكرفون ورميته أرضاً ، وخرجتُ وأكملت ليلتي العجيبة !
(5)
رجعت إلى المنزل ذهبت إلى المكتبة القديمة ، لم أفتح كتاباً منذ الرابع من حزيران ، نفضتُ الغبار عن المكتبة وقرأت عدة كتب ثورية وجهادية بحتة ، كنت أهز رأسي وأنا مندمج مع الكتاب ونغمة "سنخوض معاركنا معهم" لا تزول عن رأسي - كنت أرعناً بطريقة عجيبة !
(6)
لم أكن أملك إلى ثلاثة عشر دولاراً ، رقم يجلب النحس ، زاد مخاوفي عندما رأيتُ بومة وقطة سوداء يجريان عدة نقاشات بأقصى إحدى الأزقة ، أيقنت أن ليلتي ستفسد لا محالة ، وأن الصداع عائد ، كانت لحضة صمت سيئة ، سيئة ، سيئة ، سيئة للغاية !
(7)
هذا الحظ الملعون لم يقف بجانبي كالعادة ، حصل الذي كنت أخشاه ، عاد الصداع وعادت الكآبة بأم عينها ، عدتُ إلى غرفتي ، إرتميت على سريري وكأني قنبلة مستخدمة سابقاً ، تأكدت من وجود عصا الكريكت وورق القمار في الدرج ، أغلقت الإضاءة ونمت !
اضافة تعليق